Skip to main content

مناشدة إلى المجتمع الدولي

بسم الله الرحمن الرحيم
‏تتعرض مدينة بنغازي منذ شهر مايو الماضي إلى عمليات عسكرية استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وتعرضت أحياء المدينة للقصف العشوائي المدفعي والصاروخي، وتم تصف المدينة من الجو والبحر. وحتى يومنا هذا مازالت العمليات العسكرية مستمرة دون هوادة، وما زالت أحياء المدينة تتعرض لقصف عشوائي ضحاياه من المدنيين الأبرياء.
‏تتبدى النتائج الكارثية المأساوية لهذه العمليات العسكرية في الأعداد الهائلة من القتلى والجرحى والعائلات التي اضطرت
لترك منازلها والنزوح، كما تتبدى النتائج الوخيمة لهذه العمليات العسكرية في الدمار الهائل وغير المسبوق الذي أصاب
البنى التحتية للمدينة؛ فلم تنج المساكن ولا المستشفيات ولا المساجد ولا المدارس من القصف، وتولد عن هذه الاشتباكات
عمليات انتقامية ضد عائلات عزل من أي سلاح وهدم وحرق لبيوت والممتلكات، كما ترتب عن تحول المدينة إلى ساحة
حرب عدم تمكن السكان من الحصول على ضرورياتهم الأساسية.
‏إن بنغازي مدينة محاصرة من خارجها، أحياؤها مقطعة الأوصال وهي تواجه كارثة مأساوية، فمعظم مستشفياتها – القليلة
أصلا- متوقف عن العمل إما لما أصابها من أضرار أو لعدم توفر ما تحتاجه للقيام بتقديم العلاج، وتلك التي تعمل عاجزة
أن تستوعب الحالات التي تتطلب العناية العاجلة بما فيها حالات الولادة، والدراسة متوقفة بعد أن كانت بداية العام الدراسي على الأبواب، والمصارف أقفلت أبوابها ولم يعد أمام المواطنين من سبيل للحصول على ما يحتاجونه من ودائعهم لسد احتياجاتهم المعيشية، وارست أسعار المواد الغذائية بسبب انقطاع الإمدادات وبسبب التدمير الذي تعرضت له عدد من المخازن الرئيسية جراء القصف وبسبب توقف حركة استقبال البضائع في الميناء واستخراجها، وأصبحت إمدادات الوقود والبنزين وغاز الطهي معدومة، والكهرباء تتقطع على كثير من الأحياء، ‏والقمامة تكدست وتعفنت في أحياء المدينة عد أن عجزت شركة النظافة عن القيام بنقلها، ‏وأدى القصف إلى إحداث أضرار جسيمة بشبكة مجاري المدينة ما أدى إلى طفح المجاري في أحياء عدة، ‏وأدى ذلك كله إلى انتشار الحشرات والذباب ما يهدد بانتشار الأمراض الوبائية.
‏إن الأوضاع المأساوية التي تواجهها بنغازي جراء الحرب قد باتت تهدد بكارثة بيئية مخيفة، وبتزايد النتائج الوخيمة على النسيج الاجتماعي في المدينة، وعلى مستقبل السلم الأهلي فيها، واستمرار معاناة السكان المدنيين الأبرياء واستمرار تعرضهم شتى أنواح الأخطار.
‏إن مأساة بنغازي تتكرر في غرب البلاد في مدينة ككله التي تواجه ظروفا إنسانية بالغة التعقيد والخطورة جراء ما تعرضت له من حصار وهجمات وقصف، أدت إلى تشريد معظم سكانها وإلى قتل وجرح أعداد كبيرة من أهلها وإلى تدمير شبه كامل للمدينة بما فيها المستشفى الوحيد ما ترتب على ذلك من صعوبات جمة في العناية بالجرحى، وأدى قطع الطرق الواصلة بالمدينة إلى إيجاد صعوبات جمة أمام عمليات إخلاء الجرحى إلى خارج المدينة لتلتي العلاج، وانقطعت الإمدادات الضرورية للمدينة. إنها مأساة أخرى يواجهها المدنيين الأبرياء في ليبيا وإن المأساة التي تواجهها بنغازي وككله مرشحة إلى أن تتكرر في مناطق أخرى من ليبيا إن لم تتظافر جهود المجتمع الدولي على إنقاذ المدينتين وتقديم الحماية للمدنيين.
‏إن حزب الجبهة الوطنية يدين وبشدة قيام أطراف دولية بالمساهمة في المحنة المأساوية التي يواجهها المدنيون الأبرياء،
وفي تأجيج نيران الاقتتال سواء بالإمداد بالسلاح والذخائر أو بالمشاركة الفعلية، ‏وإن أي تخل عسكري أجنبي مرفوض
ومدان.
إن قيام بعض أجهزة الإعلام الليبية والعربية بالتحريض على القتل والتشريد وعلى هدم البيوت وتدمير الممتلكات، لهي
أمور مخزية ومدانة وترقى إلى درجة جرائم حرب يجب أن يحاسب عليها كل من يقف خلف هذه الأجهزة الإعلامية.
‏إن صمت المجتمع الدولي عن المآسي الإنسانية التي تتعرض لها مدينتي بنغازي وككله على وجه الخصوص وكل المناطق الليبية الأخرى بصورة عامة، لهو وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، لا سيما مع وجود (بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا UNSMIL) مشكلة ومحددة المهام بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2009‏، يرأسها ممثل خاص للأمين العام، وأيضا نظرا إلى قيام مجلس الأمن بوضع ليبيا تحت الفصل السابع من الميثاق.
‏إن قيام عدد من رؤساء الدول الغربية -على وجه الخصوص- بتعيين ممثلين خاصين لهم لمتابعة الشأن الليبي، يملي على هذه الدول مسؤولية تقديم العون الإنساني العاجل والمطلوب خاصة إلى المدن المعنية.
‏إن الأمم المتحدة بمنظماتها ووكالاتها المتخصصة المعنية وعلى رأسها مجلس الأمن ومنظمة الصحة العالمية وبعة الدعم الخاصة في ليبيا مطالبة بالقيام بواجبها الذي يمليه عليها ميثاقها وقراراتها، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات الكفيلة بوقف الاقتتال والنزيف الدامي الذى تتعرض له مدينة بنغازي وككله، ووقف التدخلات الخارجية وإدانتها، والقيام بدورها في حماية المدنيين، وتدارك الكارثة البينية قبل تفاقمها، وتقديم العون في النواحي الطبية والصحية، والمساعدة على عودة النازحين والمساهمة الفعالة في إعادة الإعمار.
‏وفي هذا الصد نُذكر بقرارات مجلس الأمن الخاصة بليبيا وعلى الأخص قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي ينص صراحة على “اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان . . . . . . بما فيها بنغازي، مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أيا كان شكلها وعلى أي جزء من الأراضي الليبية”.
‏والذي يطلب “إلى جميع الدول الأعضاء، ولا سيما دول المنطقة، وهي تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية، من أجل ضمان التنفيذ الصارم لحظر توريد الأسلحة المفروض”.
‏إن الشعب الليبي خاض غمار ثورته وصاغ ملحمة قل أن يجود التاريخ بمثلها، مقدما شتى صنوف التضحيات، محققا انتصاراته على الطاغية، ومن ثم أتاح للمجتمع الدولي ممثلا في هينة الأمم المتحدة فرصة ذهبية لأن يقف هذا المجتمع الدولي موقفا إلى جانب قضية حق وعدل ومطلب شعب في التحرر ما أعاد الثقة في المجتمع الدولي. وكما كان الأمر إبان معركة الثورة، فإن الأوضاع الإنسانية بالغة الخطورة في ليبيا تتطلب من المجتمع الدولي نفس الموقف إلى جانب الشعب الليبي حماية للمدنيين وتوقيا للكارثة البيئية التي باتت تهدد كينونة الشعب الليبي وصيرورته إن المواقف المترددة والتي تفتقر إلى الجرأة ولا ترعى مصالح الشعب الليبي وحقه في الحياة وتدور في فلك مصالح عدد من الدول وتراعي مجاملات على حساب الشعب الليبي، سوف تعتبر خذلانا للشعب الليبي وتراجعا عن موقف مشرف وقفه المجتمع الدولي.
‏إن شعبنا قادر بعون الله وقدرته على النهوض مجددا وعلى رص الصفوف والخروج من محنته، سيسجل التاريخ من ساهم في معاناة شعبنا، وسيسجل من وقف إلى جانبه.
‏المجد للشهداء
‏عاشت ليبيا حرة
14 نوفمبر 2014 م
21 محرم 1436 هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *